الدفع اللاتلامسي والرقمي: أدوات تنافس البطاقات البنكية في التجزئة

 

الدفع اللاتلامسي والرقمي: أدوات تنافس البطاقات البنكية في التجزئة
 الدفع اللاتلامسي والرقمي: أدوات تنافس البطاقات البنكية في التجزئة



في السنوات الأخيرة، شهدنا تحولاً جذرياً في عالم المدفوعات، حيث أصبحت تكنولوجيا الدفع اللاتلامسي والرقمي واحدة من أبرز الأدوات التي غيرت طريقة تعامل المستهلكين مع الشراء. في وقت لم يعد فيه حمل النقود الورقية أمراً ضرورياً، أصبحت الهواتف الذكية والساعات الذكية والمحافظ الإلكترونية بدائل ذكية وسريعة. ومع هذا التحول، بدأت البطاقات البنكية التقليدية، رغم شعبيتها، في مواجهة منافسة قوية، خصوصاً في قطاعات التجزئة.

ومع تصاعد وتيرة الابتكار التكنولوجي، لم يعد السؤال هو: "هل سيتحوّل الناس إلى المدفوعات الرقمية؟" بل أصبح: "كم من الوقت بقي للبطاقات البنكية قبل أن تصبح زائدة عن الحاجة؟" في هذا المقال، نستعرض هذا التحول، ونناقش كيف أصبحت أدوات الدفع اللاتلامسي والرقمي تشكّل تهديدًا جادًا لهيمنة البطاقات البنكية، خاصة في الأسواق النامية والمتقدمة على حد سواء.

ما هو الدفع اللاتلامسي والرقمي؟ ولماذا يكتسب كل هذا الزخم؟


الدفع اللاتلامسي (Contactless Payment) هو أسلوب دفع يتم عبر تقنية الاتصال قريب المدى (NFC)، ويتيح للمستخدمين دفع الأموال بمجرد تمرير بطاقاتهم، أو هواتفهم، أو ساعاتهم الذكية بالقرب من أجهزة الدفع، دون الحاجة إلى إدخال البطاقة أو إدخال رقم سري. أما الدفع الرقمي (Digital Payment) فهو مصطلح أشمل يشمل التحويلات الإلكترونية، المحافظ الرقمية مثل Apple Pay وGoogle Pay وPayPal، والتطبيقات البنكية.

الزخم الذي اكتسبه هذا النوع من المدفوعات يعود إلى عدة أسباب؛ أبرزها الراحة، والسرعة، والأمان، وتقلص الاعتماد على النقد، خاصة في ظل الأزمات الصحية مثل جائحة كورونا. وقد أظهرت الدراسات أن ما يزيد عن 60% من المستهلكين يفضلون عدم لمس الأجهزة أو العملات النقدية أثناء عمليات الشراء، مما جعل الدفع اللاتلامسي حلاً مثالياً.

أدوات الدفع اللاتلامسي والرقمي: منافسة شرسة للبطاقات البنكية في قطاع التجزئة


في السابق، كانت البطاقات البنكية – سواء كانت بطاقات ائتمان أو خصم مباشر – تحتل الصدارة في مشهد المدفوعات. لكن مع تطور أدوات الدفع الرقمية مثل المحافظ الإلكترونية وتطبيقات الهواتف الذكية، بدأ الأمر يتغير بشكل ملحوظ. المستهلكون اليوم يفضلون الدفع بجهاز مألوف لهم (هاتفهم مثلاً) بدلاً من إخراج محفظة والبحث عن البطاقة المناسبة.

تجار التجزئة بدورهم استفادوا من هذه النقلة، حيث أن الدفع الرقمي يقلل من الوقت المستغرق عند نقاط البيع، ويساهم في زيادة سرعة العمليات وتحسين تجربة العميل. كذلك فإن هذه الأنظمة توفر لهم بيانات تحليلية قيّمة عن سلوك المستهلك، مما يُمكّنهم من تحسين عروضهم الترويجية واستهداف العملاء بشكل أفضل.

تجربة المستخدم هي سر النجاح: لماذا يفضل العملاء الدفع الرقمي؟


أحد أهم أسباب تفوق أدوات الدفع الرقمي على البطاقات البنكية هو تجربة المستخدم الممتازة التي توفرها. فالمستهلك اليوم يبحث عن السرعة والراحة والأمان في كل تعامل مالي. عند استخدام Apple Pay أو تطبيق بنكي معين، يتم الدفع بثوانٍ معدودة، دون الحاجة للمس الأسطح، أو الانتظار في طوابير طويلة.

بالإضافة إلى ذلك، يشعر المستخدمون براحة نفسية أكبر باستخدام وسائل تدفع دون مشاركة بيانات البطاقة مباشرة مع التاجر، مما يرفع من مستوى الأمان. ويُعد ذلك من العوامل الأساسية التي تجعل المستخدمين يفضلون المدفوعات الرقمية على الطرق التقليدية، بما فيها البطاقات البنكية.

الأمان في الدفع اللاتلامسي والرقمي: هل هو أفضل من البطاقات البنكية؟


من أهم التحديات التي تواجه أي وسيلة دفع هي مسألة الأمان. وهنا، يظهر تفوق أنظمة الدفع الرقمي بفضل تقنيات مثل التشفير، والتوكنز (Tokenization)، والمصادقة الثنائية (Two-Factor Authentication). كل هذه الميزات تجعل من الصعب على القراصنة الوصول إلى بيانات المستخدمين، مقارنة باستخدام البطاقة البنكية التي قد تتعرض للسرقة أو النسخ بسهولة.

أيضًا، في حال فقدان الهاتف أو سرقته، بإمكان المستخدم إيقاف تفعيل المحفظة الرقمية عن بُعد، وهو أمر يصعب فعله مع البطاقة البنكية. كما أن الشركات الكبرى مثل Visa وMasterCard بدأت في دعم تقنيات التوكنز لحماية بيانات البطاقة خلال الدفع الرقمي، مما يُعزز من أمان هذا النوع من المعاملات.

الدفع الرقمي في العالم العربي: تطور ملحوظ وتحديات قائمة


في مصر والدول العربية، شهدنا خلال الأعوام الأخيرة ازدياداً ملحوظاً في استخدام أدوات الدفع الرقمي، خاصة مع توجه الحكومات نحو تعزيز الشمول المالي. على سبيل المثال، أطلقت مصر استراتيجية التحول الرقمي، مما أدى إلى نمو عدد المحافظ الإلكترونية، وزيادة التعاقدات مع مزودي خدمات الدفع الإلكتروني.

رغم ذلك، ما زالت هناك تحديات كبيرة، مثل ضعف البنية التحتية في بعض المناطق، وانخفاض وعي المستخدمين حول كيفية استخدام هذه الأدوات، بالإضافة إلى مقاومة البعض لفكرة التخلي عن "الملموس" لصالح "الرقمي". ولكن تدريجياً، ومع الدعم الحكومي، والتوسع في خدمات الإنترنت، يتوقع أن تصبح المدفوعات الرقمية هي السائدة.

دور الشركات الكبرى في دفع عجلة التحول الرقمي


الشركات العالمية مثل Visa، MasterCard، PayPal، Google، وApple تستثمر بشكل ضخم في تطوير تكنولوجيا الدفع الرقمي. وقد أعلنت Visa في أحد تقاريرها أن أكثر من 70% من المعاملات في بعض الدول باتت تتم عبر طرق دفع رقمية أو لاتلامسية، ما يشير إلى تحول حقيقي في سلوك المستهلكين.

كما دخلت شركات التكنولوجيا الكبرى مثل Amazon وMeta على خط المنافسة عبر تطوير حلول مالية متقدمة، وربما نرى مستقبلاً شركات مثل Tesla أو حتى شركات الاتصالات تطلق خدمات دفع رقمية متكاملة، تدمج بين البيع بالتجزئة وخدمات الدفع، مما يزيد من الضغط على البطاقات البنكية التقليدية.

ما مصير البطاقات البنكية؟ هل ستختفي؟


من غير المرجح أن تختفي البطاقات البنكية تماماً في المستقبل القريب، لكنها بالتأكيد ستفقد جزءاً كبيراً من هيمنتها، خاصة في الأسواق التي تتبنى الحلول الرقمية بسرعة. وقد نشهد إعادة تصميم أو تطوير لهذه البطاقات لتتكيف مع العصر، كأن تصبح افتراضية بالكامل داخل التطبيقات البنكية، أو تُستخدم فقط في الحالات الطارئة أو في أماكن محدودة لا تدعم المدفوعات الرقمية.

كذلك من الممكن أن تتحول البطاقات البنكية إلى مجرد وسيلة ربط بالحساب البنكي في خلفية المحافظ الرقمية، بدون أن تُستخدم مباشرة، كما هو الحال مع بطاقات Google Pay أو Apple Pay، التي ترتبط بحسابك البنكي دون الحاجة إلى حمل البطاقة الفعلية.

هل هناك تحديات أمام الدفع اللاتلامسي والرقمي؟


رغم أن الدفع اللاتلامسي والرقمي يقدم العديد من المزايا، إلا أن هناك بعض التحديات التي يجب مواجهتها لضمان نجاحه الكامل. من أبرزها: تأمين الأجهزة من الاختراق، حماية الخصوصية الرقمية، ضمان شمول الفئات غير التقنية، وتحقيق التكامل بين أنظمة الدفع المختلفة محليًا ودوليًا.

أيضًا، في بعض الدول، ما تزال هناك مقاومة ثقافية لفكرة الاستغناء عن الكاش، إضافة إلى أن بعض المتاجر الصغيرة لا تمتلك أجهزة نقاط بيع تدعم NFC، مما يجعل من الصعب تعميم تجربة الدفع الرقمية بالكامل.

تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-